الخميس، 18 نوفمبر 2010

مفهوم التحليل الاقتصادي الكلي



الدكتور عاشور فني
11 أكتوبر 2010


في تاريخ الفكر الاقتصادي محطات عديدة يقف عند معالمها الرئيسية دارسو الفكر الاقتصادي الحديث. وما يهمنا فيها في هذا المقام هو منظور التحليل المعتمد من قبل الباحثين. إذ نميز بين منظورين مختلفين هما منظور التحليل الكلي ومنظور التحليل الجزئي. يمكننا أن نضرب مثلا من مجال بعيد عن الاقتصاد تمهيدا  للولوج إلى هذا المجال الدقيق، مجال التفرقة بين منظورات التحليل الاقتصادي. فإذا أخذنا مثلا من الطبيعة، وليكن الغابة، أمكننا التفرقة بين زاويتين للرؤية، يمكننا النظر منهما إلى الغابة، أي منظورين:

 يمكنك أن تنظر إلى الغابة وأنت تدخلها  وتتجول بين أشجارها، وتقف عند كل شجرة وتتأمل فيها وتدقق في ما يحيط بها من أعشاب وما يزين أغصانها من أوراق أو ما يكلله من ألوان تعتري تلك الأوراق، ثم تنظر إلى ما يحط على تلك الأغصان من طيور أو من حشرات. يمكنك أيضا أن تفرق بين أطوال الأشجار  وأشكال أوراقها.

ويمكنك أن تنظر إلى الغابة من بعيد، من قمة جبل مثلا، أو تراقبها بالمنظار، فترى كتلة منسجمة من الألوان والأشكال، تتوسط مناظر الطبيعة المختلفة، من جبال وأنهار، تتنفس في الطبيعة وترسل أنفاسها في الأثير، وتشكل موردا مهما للسكان المحيطين بها، وتكتنفها المسالك والطرقات من جهاتها المختلفة، نحو القرى المحيطة والمدن البعيدة. ويمكن أن ترى السكان وهم يحتطبون منها أو ترى المسافرين وهم يتوقفون للاستراحة في جنباتها. وتنظر للغابة في علاقتها بالكون،  وهي تستقبل أشعة الشمس ونور القمر وتستدرج الغمام البعيد، وتغتسل بمياه المطر، وترتوي من ندى الفجر..

يمكننا أن نعمم هذا على بقية الظواهر فنميز بين منظور كلي ومنظر جزئي في النظر إلى الظواهر الطبيعية و الاجتماعية المختلفة.
وفي التحليل الاقتصادي نميز بين التحليل الجزئي والتحليل الكلي، أو بالأحرى بين منظورين: كلي وجزئي في التحليل.

يتناول التحليل الاقتصادي الجزئي السلوك الاقتصادي للوحدات المفردة مثل سلوك المستهلك الفرد وسلوك المنتج الفرد وتغير سعر السلعة الواحدة. يقوم التحليل الجزئي على فرضيات أساسية، منها ما يتعلق بالنظام الاقتصادي ومنها ما يتعلق بالنظرية الاقتصادية:

ففي ما يتعلق بالنظام الاقتصادي، نذكر أهم فرضيتين تؤطران التحليل الاقتصادي  الجزائي وهما:

1 إطار التحليل هو النظام الليبرالي القائم على الفردانية وحرية الأفراد وسعيهم لتحقيق المصلحة الفردية، حيف أن هذه الفرضية تعتبر فرضية لكل المدارس الاقتصادية الليبرالية منذ الطبيعيين مرورا بالتقليديين والتقليديين الجدد.

2 تمثل سوق المنافسة الكاملة إطار النشاط الاقتصادي وفيه تتحرك المؤسسة الإنتاجية والمستهلك والمنظم رب العمل والعامل. تنتج المؤسسة للسوق ويشتري المستهلك ما يحتاج إليه من سلع في الشوق، ويبيع العامل قوة عملة في السوق ويشتري المنظم عوامل الإنتاج من السوق.

وأما في مل يتعلق بالفرضيات التحليلية فيمكن أ نذكر أهمها وهي:

1 تتمتع الوحدات الاقتصادية بالرشد الاقتصادي الذي يمكنها من السعي إلى تحقيق أهدافها  من النشاط الذي تقوم به وفقا لمعيار السلوك الرشيد، وهو السعي إلى تعظيم المنافع وتقليل التكاليف.

ففي ما يتعلق بسلوك المستهلك فإنه يسعى إلى الحصول على أكبر منفعة ممكنة  بأقل تكلفة ممكنة. أما المنتج فهو يسعى إلى الحصول على أكبر ربح ممكن مقابل تجمل أقل تكلفة ممكنة. وأما العامل فيسعى للحصول على أكبر أجر ممكن مقابل العمل الذي يقوم به.
2 تعتبر قرارات الوحدات الاقتصادية مستقلة بعضها عن بعض ويدرس الباحث في المنظور الجزئي كلا منها بمعزل عن بقية الوحدات الأخرى، بالاعتماد على فرضية (بقاء الأشياء الأخرى على حالها :  Toutes choses étant égales par ailleurs).

وأما التحليل الاقتصادي الكلي فيتناول الاقتصاد الوطني باعتباره وحدة واحدة يدرس تغيراته المختلفة باعتبارها سلوكا مترابطا  لوحدة كبرى هي الاقتصاد الوطني. أي يدرس الغابة لا الشجرة.

يتناول التحليل الاقتصادي الكلي موضوعات مثل الإنتاج الوطني والدخل الوطني والاستهلاك الكلي والادخار الكلي والاستثمار الكلي. ويتناول بالتحليل تصرفات الفاعلين الاقتصاديين على المستوى الكلي وهم المؤسسات والآسر والمؤسسات المالية والحكومة والعالم الخارجي. كما يتناول بالتحليل أنواع الأسواق الكبرى وهي سوق السلع والخدمات وسوق العمل والسوق النقدية والسوق المالية. وبطبيعة الحال لا يتناول التحليل الكلي بالدراسة سعر سلعة من السلع وإنما يدرس المستوى العام للأسعار وما يرتبط به من ظواهر التضخم أو الانكماش وعلاقة ذلك بالنمو الاقتصادي أو الكساد ويربط ذلك كله بمفهوم الطلب الفعلي الذي يلعب  دور المحرك للاقتصاد الوطني.

الدكتور عاشور فني

للاتصال بالأستاذ
fenni.achour@gmail.com

0 التعليقات:

إرسال تعليق